“تسونامي الهجرة”.. صحيفة إسرائيلية تكشف أخطر موجة نزوح داخلية تهز إسرائيل من الداخل

“تسونامي الهجرة”.. صحيفة إسرائيلية تكشف أخطر موجة نزوح داخلية تهز إسرائيل من الداخل



في تقرير مثير نشرته صحيفة “جيروزالِم بوست” العبرية، حذرت من ظاهرة وُصفت بأنها “تسونامي من الهجرة الإسرائيلية العكسية”، في وقت تشهد فيه إسرائيل ارتفاعًا غير مسبوق في أعداد مواطنيها الذين يغادرون البلاد بحثًا عن الأمن والاستقرار في الخارج. واعتبرت الصحيفة أن هذه الموجة تمثل “صدمة تتجاوز الأرقام والإحصاءات”، لأنها تكشف تصدعات عميقة في البنية الاجتماعية والنفسية والاقتصادية للدولة العبرية، وتطرح تساؤلات مقلقة حول مستقبلها الداخلي.

أزمة ثقة داخلية وتصدّع في العقد الاجتماعي

طرحت الافتتاحية سؤالًا محوريًا: “لماذا الآن؟”، لتجيب بأن ما يحدث هو نتيجة مباشرة لما وصفته بـ “الصدمة الوطنية” عقب هجمات السابع من أكتوبر وحرب غزة، وما تلاها من تصعيد على الجبهة الشمالية مع حزب الله. فقد تزعزع الإحساس بالأمن الشخصي، وتحوّل الخوف من الاستهداف إلى واقع يومي يدفع العائلات إلى التفكير في المغادرة.
وأشارت الصحيفة إلى أن الاستقطاب السياسي الحاد، والإرهاق الشعبي من الصراعات الحزبية، إضافة إلى ارتفاع تكاليف المعيشة وأسعار العقارات، جعلت كثيرًا من الإسرائيليين، حتى من الفئات التي لم تفكر يومًا في الرحيل، يعيدون النظر في مستقبلهم داخل البلاد.

أحد النواب في الكنيست وصف الوضع بعبارة صادمة:

“إنه تسونامي من الإسرائيليين الذين يختارون الرحيل”،
مؤكدًا أن الظاهرة لم تعد هامشية أو فردية، بل تمثل اتجاهًا واسعًا يعكس فقدان الثقة في قدرة الدولة على توفير الأمن والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي لمواطنيها.

 

اقتصاد في مأزق رغم القوة التكنولوجية

من الناحية الاقتصادية، وصفت “جيروزالِم بوست” الوضع بأنه “مختلط ومقلق”. فبينما لا تزال إسرائيل تُعد قوة عالمية في التكنولوجيا والابتكار، فإن الكفاءات البشرية التي صنعت هذه القوة باتت اليوم أكثر استعدادًا للمغادرة.
وحذّرت هيئة الابتكار الإسرائيلية من تزايد عدد العاملين في قطاع التكنولوجيا الذين يقضون فترات طويلة في الخارج أو ينتقلون بشكل دائم، وهو ما يمثل تهديدًا مباشرًا لمكانة إسرائيل في مجال التكنولوجيا المتقدمة. ودعت الهيئة الحكومة إلى تقديم حوافز اقتصادية وضريبية لتشجيع العائدين واستعادة الكفاءات التي خسرتها البلاد في السنوات الأخيرة.

وأضافت الصحيفة أن معادلة “بناء الدولة” تميل اليوم إلى الخارج، فالأسر الشابة ترى أن فرص العمل ومستوى المعيشة في دول أخرى متقاربة، لكن المخاطر فيها أقل بكثير، وهو ما يجعل قرار الهجرة أكثر منطقية في ظل الضغوط الحالية.

تراجع الهجرة الوافدة وضعف السياسات الديموغرافية

في الوقت نفسه، كشفت الافتتاحية عن تراجع ملحوظ في معدلات الهجرة إلى إسرائيل، مقارنة بالارتفاع المؤقت الذي شهدته البلاد خلال الحرب الأوكرانية.

ووفقًا لتقارير عرضت على الكنيست، فإن أعداد المهاجرين الجدد لم تعد كافية لتعويض من يغادرون، ما يخلق اختلالًا ديموغرافيًا متزايدًا. وأوضحت الصحيفة أن تركّز المهاجرين الجدد في منطقة جغرافية واحدة — خصوصًا من أوروبا الشرقية — يجعل السياسة السكانية الإسرائيلية هشة ومعرّضة للتقلبات.

ورغم محاولات وزارة الهجرة والاستيعاب الترويج لفكرة أن الهجرة إلى إسرائيل تعبّر عن “الارتباط العميق بين الشعب اليهودي وأرضه”، فإن الأرقام، كما تقول الصحيفة، “تحكي قصة مختلفة”، إذ تعكس تآكل الانتماء العملي لصالح البحث عن الأمان والفرص في الخارج.

البعد الروحي والرمزي للأزمة

حسب موقع يورونيوز العربية، لم تقتصر تحليلات التقرير على الأبعاد السياسية والاقتصادية، بل تطرقت إلى ما وصفته بـ “الأزمة الروحية العميقة”.
وأكدت الصحيفة أن “أرض إسرائيل ليست مجرد قطعة جغرافية، بل هي جوهر القصة التوراتية للشعب اليهودي”، موضحة أن فكرة المنفى والعودة شكلت أساس الهوية اليهودية عبر التاريخ.
لكن حين يختار عدد متزايد من الإسرائيليين الرحيل طوعًا، فإن الضرر لا يكون ديموغرافيًا فقط، بل رمزيًا وروحيًا، إذ تتزعزع القصة التي توحّد الشعب حول فكرة البقاء والاستمرارية في الأرض.

وأضافت الافتتاحية:

“الرحيل ليس خيانة، فالإسرائيليون في الخارج ما زالوا جزءًا من الهوية الوطنية، لكن النمط الحالي مختلف، إذ يغادر الشباب المتعلم — عماد الابتكار والدفاع والتعليم والثقافة — بأعداد متزايدة، ما يعني فقدان الطبقة الوسطى التي يُفترض أن تحمل عملية التعافي والإصلاح.”

مستقبل غامض ومخاوف من “نزيف الكفاءات”

يرى محللون أن هذه الموجة من الهجرة تمثل تحولًا تاريخيًا في المزاج العام داخل إسرائيل، إذ لم تعد البلاد بالنسبة لكثيرين “الملاذ الآمن”، بل “مكانًا محفوفًا بالمخاطر” سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا.
وتحذر أوساط اقتصادية من أن استمرار “نزيف الكفاءات” قد يؤدي خلال سنوات قليلة إلى تراجع حقيقي في النمو التكنولوجي، ما ينعكس على القطاعات الإنتاجية كافة.

أما على المستوى السياسي، فإن ارتفاع أعداد المغادرين يفرض تحديات غير مسبوقة أمام الحكومة، التي تواجه صعوبة في تحقيق التوازن بين احتياجات الأمن القومي والحفاظ على ثقة الطبقة المتوسطة التي تشكل العمود الفقري للمجتمع الإسرائيلي.





تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *