توصل باحثون من جامعة نورث وسترن الأمريكية إلى اكتشاف مذهل يفسر كيف يحتفظ بعض كبار السن في الثمانينيات من عمرهم بذاكرة حادة تضاهي ذاكرة من هم أصغر منهم بثلاثة عقود وأطلق العلماء على هذه الفئة اسم “المسنين الخارقين”، وهم الأشخاص الذين تجاوزوا الثمانين من العمر، لكنهم يتمتعون بقدرات ذهنية وذاكرة مدهشة تشبه تلك التي يمتلكها الأشخاص في الخمسين من العمر، وفقا لموقع فوكس نيوز.
وأشارت الدراسة إلى أن هؤلاء الأفراد يحرزون 9 درجات على الأقل من أصل 15 في اختبار استرجاع الكلمات المتأخر، وهو مقياس لقدرات الذاكرة طويلة الأمد.
اسباب وجود الذاكرة الخارقة
تعود جذور هذا المفهوم إلى أواخر التسعينيات، عندما صاغ الدكتور م. مارسيل ميسولام، مؤسس مركز ميسولام لعلم الأعصاب الإدراكي ومرض الزهايمر بجامعة نورث وسترن، مصطلح “SuperAger”، في محاولة لتحديد العوامل التي تمنح بعض كبار السن مقاومة ملحوظة للتدهور المعرفي.
وخلال دراسة استمرت خمسة وعشرين عامًا وشملت نحو 300 شخص من كبار السن، وجد الباحثون أن هؤلاء “المسنين الخارقين” يشتركون في عدد من الصفات الشخصية والسلوكية، من أبرزها كونهم اجتماعيين للغاية ومنفتحين على الآخرين، إلى جانب امتلاكهم لعلاقات شخصية قوية وداعمة.
لكن المفاجأة الكبرى كانت في أدمغتهم فبعد فحص أدمغة 77 متبرعًا من كبار السن عقب وفاتهم، اكتشف العلماء أن بعضهم لم يُظهر أي تراكم لبروتيني الأميلويد والتاو، وهما مادتان سامتان تعتبران من العلامات المميزة لمرض الزهايمر.
والأكثر إدهاشًا أن بعض الأدمغة التي احتوت على هذه البروتينات لم تتأثر بها من حيث الأداء المعرفي أو الذاكرة، وهو ما أطلق عليه الباحثون “المرونة العصبية”.
وقالت الدكتورة ساندرا وينتراوب، أستاذة الطب النفسي والعلوم السلوكية والمشاركة في الدراسة، إن النتائج كشفت عن وجود آليتين رئيسيتين وراء هذه الظاهرة، الأولى هي “المقاومة”، حيث لا تتكون اللويحات والتشابكات السامة في الدماغ، أما الثانية فهي “المرونة”، أي قدرة الدماغ على التعايش مع هذه التغيرات دون أن تتأثر وظيفته الإدراكية.
كما أظهرت النتائج أن أدمغة هؤلاء المسنين تتميز بسمات تشريحية مختلفة عن أقرانهم، إذ لم تُظهر القشرة المخية لديهم أي ترقق ملحوظ، بل كانت لديهم قشرة حزامية أمامية أكثر سمكًا، وهي المنطقة المسؤولة عن اتخاذ القرار، والتحفيز، والمشاعر. كذلك، وُجد أن لديهم عددًا أكبر من “عصبونات فون إيكونومو”، وهي خلايا عصبية متخصصة ترتبط بالسلوك الاجتماعي، بالإضافة إلى عصبونات أنتورينال أكبر حجمًا، وهي ضرورية لتخزين واسترجاع الذكريات.
ويرى الباحثون أن هذه الاكتشافات قد تمهد الطريق لتطوير استراتيجيات جديدة تساعد على حماية الدماغ من التدهور الإدراكي، وتعزز ما يُعرف بـ”المرونة المعرفية”، وهي قدرة العقل على التكيف ومواصلة العمل بكفاءة رغم التغيرات المرتبطة بالعمر.
من جانبه، علق الدكتور مارك سيجل، المحلل الطبي في قناة “فوكس نيوز”، على الدراسة قائلًا إن الحفاظ على ذاكرة قوية في سن متقدمة يعتمد على مزيج من العوامل الوراثية وأسلوب الحياة، موضحًا أن تدريب العقل باستمرار يشبه تمرين العضلات، فكلما تم تحفيزه فكريًا واجتماعيًا، حافظ على قوته لفترة أطول.وأشار إلى أن التفاعل الاجتماعي والمشاركة الفكرية المستمرة يلعبان دورًا أساسيًا في الحفاظ على وظائف الدماغ، مؤكدًا أن هذه النتائج تمثل خطوة مهمة نحو فهم كيف يمكن للإنسان أن يعيش حياة أطول وأكثر إشباعًا ذهنيًا ونفسيًا.
هذه الدراسة واحدة من أبرز الأبحاث التي تعزز فكرة أن الشيخوخة لا تعني بالضرورة ضعف الذاكرة أو تراجع القدرات العقلية، بل يمكن – مع العادات الصحيحة والتحفيز المستمر – أن تظل العقول حادة ومبدعة حتى في العقد الثامن من العمر.
نصائح للحفاظ على الذاكرة مع التقدم في العمر
يؤكد الأطباء أن الحفاظ على ذاكرة قوية مع التقدم في العمر لا يتوقف على الجينات فقط، بل يعتمد أيضًا على نمط الحياة اليومي، وفيما يلي أبرز النصائح التي أوصى بها الخبراء للحفاظ على نشاط الدماغ وذاكرته:
1. ابق اجتماعيًا: التفاعل المستمر مع العائلة والأصدقاء يحفز مناطق الدماغ المسؤولة عن التواصل والعاطفة، ويقلل خطر الإصابة بالخرف.
2. مارس الأنشطة الذهنية: مثل القراءة، وحل الألغاز، وتعلم مهارات جديدة، فهي تساعد على إبقاء العقل في حالة يقظة دائمة.
3. احرص على النشاط البدني: المشي المنتظم والرياضة الخفيفة تحسن تدفق الدم إلى الدماغ وتدعم صحته.
4. نم جيدًا: النوم العميق المنتظم يساعد في تثبيت الذكريات وتنظيف الدماغ من السموم التي تتراكم خلال اليوم.
5. اتبع نظامًا غذائيًا متوازنًا: تناول الفواكه، والخضروات، والأسماك الغنية بالأوميجا 3، وتجنب الأطعمة المصنعة والسكريات الزائدة.
