هل تنجح إجراءات مجلس القيادة اليمني في إنقاذ الاقتصاد وسط التصعيد الحوثي؟

هل تنجح إجراءات مجلس القيادة اليمني في إنقاذ الاقتصاد وسط التصعيد الحوثي؟



أقر مجلس القيادة الرئاسي في اليمن اليوم حزمة جديدة من الإجراءات الاقتصادية والإدارية لدعم الحكومة والبنك المركزي بعدن في خطوة تهدف إلى ترميم الثقة بالاقتصاد الوطني وتعزيز الاستقرار المالي، وسط تحديات متصاعدة يفرضها الانقسام المالي والحصار الحوثي على النشاط الاقتصادي، وتدهور الأوضاع الإنسانية في مناطق واسعة من البلاد.

إصلاحات اقتصادية لتعزيز الانضباط المالي

حسب البيان الصادر عقب اجتماع المجلس برئاسة الرئيس رشاد العليمي، شملت الحزمة “توسيع سلة الإيرادات، والمضي في إعداد موازنة عامة للدولة بسقوف إنفاق ومصادر تمويل محددة، وإلزام كافة السلطات والمؤسسات بالتوريد إلى الخزينة العامة، وفقا للقانون”.

يأتي هذا القرار في سياق جهود متواصلة تبذلها الحكومة المعترف بها دوليًا لإعادة ضبط الدورة المالية العامة وتوحيد الإيرادات في ظل التراجع الحاد في الموارد نتيجة توقف تصدير النفط الخام منذ أواخر 2022، إثر الهجمات الحوثية على الموانئ النفطية في محافظتي شبوة وحضرموت.

المجلس استعرض خلال اجتماعه تقارير مفصلة حول موقف الموازنة العامة للدولة للعام 2025 ومستوى الوفاء بالالتزامات الحتمية، إلى جانب خطة الحكومة لحشد الموارد المحلية والخارجية بما يضمن تغطية النفقات ذات الأولوية، والحفاظ على استقرار الأداء المالي وثقة مجتمع المانحين.

ارتياح رسمي وتأكيد على وحدة المؤسسات

أعرب مجلس القيادة الرئاسي عن ارتياحه للتقدم المحرز في الجوانب الاقتصادية والنقدية، مشيدًا بـ “الانسجام بين مؤسسات الدولة في تحقيق هذه المكاسب”، مؤكدًا في الوقت ذاته أن هذه الجهود يجب أن تسير بالتوازي مع أولوية “ردع المليشيات الحوثية” التي تواصل انتهاكاتها الممنهجة ضد المدنيين والمؤسسات الاقتصادية.

ويرى مراقبون أن هذا الانسجام بين الحكومة والبنك المركزي يعدّ خطوة مهمة لتعزيز ثقة المانحين والمجتمع الدولي، خاصة في ظل الجهود السعودية الداعمة للإصلاحات المالية في اليمن، والتي تمثل جزءًا من الشراكة التنموية بين الرياض وعدن لإعادة بناء مؤسسات الدولة وتحقيق الاستقرار الاقتصادي.

عدن مركز دولي متنامٍ للمنظمات الدولية

وفي تطور اعتبره المراقبون مؤشرًا على تزايد الثقة بالبيئة الأمنية في المناطق الخاضعة للحكومة، رحب المجلس الرئاسي بقرار عدد من المنظمات والوكالات الدولية نقل مقراتها إلى العاصمة المؤقتة عدن.

ووصف المجلس هذه الخطوة بأنها “مهمة لحماية موظفي الإغاثة، وزيادة عزلة المليشيات الحوثية، وضمان استمرار تدفق المساعدات الإنسانية التي يحتاجها ملايين اليمنيين”، في ظل القيود الحوثية المفروضة على العمل الإنساني في صنعاء ومناطق سيطرتها.

هذه الخطوة تعزز موقع عدن كمركز رئيسي للمنظمات الدولية والإغاثية، وتشير إلى رغبة متزايدة لدى المجتمع الدولي في التعامل مع الحكومة اليمنية باعتبارها السلطة الشرعية القادرة على تهيئة بيئة عمل آمنة وشفافة للوكالات الأممية.

انتهاكات حوثية متصاعدة ضد المنظمات الدولية

على الجانب الآخر، تصاعدت الانتهاكات الحوثية في العاصمة صنعاء بحق المنظمات الدولية والأممية. ففي أحدث التطورات، اقتحمت ميليشيات الحوثي مقر المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) في شارع الجزائر، وصادرت أصولها، بما في ذلك قاعدة بيانات المستفيدين من مشاريع المفوضية.

ووفق مصادر حقوقية، أسفر هذا الاقتحام عن توقف المراسلات والتواصل الرسمي بين المقر الرئيسي والفروع الميدانية، ما يهدد بتعطيل مشاريع الدعم الطارئ وتوقف مساعدات آلاف الأسر النازحة.

وتزامنت هذه الحادثة مع اختطاف ثلاثة موظفين أمميين بينهم امرأتان، بتهم واهية تتعلق بـ “العمالة لإسرائيل”، في إطار حملة قمع واسعة تستهدف موظفي الأمم المتحدة والمنظمات الدولية. وبذلك يرتفع عدد الموظفين المختطفين لدى الميليشيات الحوثية إلى 63 موظفًا محليًا ودوليًا، إلى جانب عشرات العاملين في منظمات غير حكومية ومجتمع مدني.

تداعيات اقتصادية وإنسانية خطيرة

تثير هذه الانتهاكات مخاوف جدية من تأثيرها المباشر على العمل الإنساني والإغاثي في اليمن، الذي يعتمد عليه نحو 70% من السكان. فتعطيل مشاريع المفوضية وبرامج الأمم المتحدة سيؤدي إلى تفاقم معاناة ملايين النازحين والفقراء، خصوصًا في مناطق الشمال التي تعاني من شحّ الخدمات الأساسية وانقطاع رواتب الموظفين منذ سنوات.

كما أن استمرار الانقسام المالي بين صنعاء وعدن، وتعنت الحوثيين في توريد الإيرادات العامة إلى البنك المركزي في عدن، يفاقم من الأزمة النقدية وتدهور العملة المحلية، ويقوّض الجهود الحكومية في ضبط السوق واستقرار الأسعار.

تحذير رئاسي ودعوة للمجتمع الدولي

وفي ختام الاجتماع، حذر مجلس القيادة الرئاسي المليشيات الحوثية من مغبة تماديها في الانتهاكات والاختطافات، مشيرًا إلى أن هذه الممارسات تهدد السلم الأهلي وتدمر ما تبقى من سبل العيش الكريم للمواطنين في مناطق سيطرتها.

ودعا المجلس المجتمع الدولي والأمم المتحدة إلى تحمل مسؤولياتهم القانونية والأخلاقية تجاه الانتهاكات الحوثية، والعمل على تأمين موظفي المنظمات الدولية وضمان استمرار العمليات الإنسانية دون عراقيل.

بين الإصلاح المالي والتحدي الأمني

يواجه مجلس القيادة اليمني تحديًا مزدوجًا يتمثل في إصلاح الاقتصاد المنهك من جهة، ومواجهة التصعيد الحوثي من جهة أخرى. وبينما تواصل الحكومة خطواتها لتعزيز الإيرادات وتوحيد الموازنة، لا تزال المليشيات الحوثية تمارس سياسات تدميرية تستهدف مؤسسات الدولة والمنظمات الإنسانية على حد سواء.

ويرى محللون أن نجاح الإصلاحات الحكومية مرهون بمدى قدرة المجلس على فرض الانضباط المالي في جميع المحافظات المحررة، وكسب الدعم الدولي، خصوصًا في ظل التزام السعودية والإمارات بتمويل مشاريع تنموية جديدة في عدن والمناطق الجنوبية.

وفي المقابل، فإن استمرار الحوثيين في استهداف المنظمات الأممية والمؤسسات الاقتصادية سيُفاقم من العزلة الدولية للمليشيا، ويضعها في مواجهة مع المجتمع الدولي، ما قد يمهد لمزيد من الضغوط الدبلوماسية والسياسية عليها في المرحلة المقبلة.





تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *