
تواجه القارة الأوروبية أزمة سكانية خطيرة تهدد مستقبلها الاقتصادي والاجتماعي، مع استمرار انخفاض معدلات الخصوبة وارتفاع متوسط الأعمار، وهو ما قد يؤدي خلال العقود المقبلة إلى تراجع عدد السكان وتقلص القوى العاملة، في ظل عجز السياسات الحكومية عن كبح هذا التدهور.
إيطاليا.. أدنى معدل مواليد منذ الحرب العالمية الثانية
تُعد إيطاليا من أكثر الدول الأوروبية تضررًا من الأزمة، إذ سجلت إحصاءات 2025 أدنى معدل مواليد منذ الحرب العالمية الثانية، بمتوسط خصوبة لا يتجاوز 1.2 طفل لكل امرأة، أي أقل بكثير من المعدل اللازم لاستقرار عدد السكان (2.1).
وترى الحكومة الإيطالية أن الأسباب الرئيسية للأزمة تتمثل في تأخر سن الزواج، وارتفاع تكاليف المعيشة، وصعوبة التوفيق بين العمل والحياة الأسرية، وهي عوامل تدفع الشباب إلى العزوف عن تكوين أسر جديدة.
ألمانيا.. سياسات داعمة بلا نتائج كافية
أما ألمانيا، صاحبة أكبر اقتصاد في أوروبا، فقد حاولت مواجهة الأزمة عبر حوافز للأسر تشمل إجازات أمومة مدفوعة ودعمًا ماليًا لدور الحضانة، إلا أن معدل الخصوبة ما زال منخفضًا عند 1.5 طفل لكل امرأة.
ويرى الخبراء أن السبب يعود إلى تغير القيم الاجتماعية وزيادة مشاركة النساء في سوق العمل، إلى جانب ارتفاع تكاليف السكن ورعاية الأطفال.
إسبانيا.. العزوف عن الإنجاب مستمر
تُسجل إسبانيا أحد أدنى معدلات الخصوبة في القارة، إذ لا يتجاوز 1.12 طفل لكل امرأة.
ويعزو الخبراء هذا الانخفاض إلى الأزمات الاقتصادية، وغلاء المعيشة، وصعوبة التوازن بين الحياة المهنية والعائلية، إضافة إلى ضعف الدعم الحكومي للأسر.
ويحذر الباحثون من أن استمرار هذا الاتجاه سيؤدي إلى تقلص القوى العاملة وتسارع شيخوخة السكان.
فرنسا.. تراجع الرغبة في الإنجاب رغم الدعم الحكومي
أما فرنسا، التي كانت تاريخيًا صاحبة أعلى معدلات الخصوبة في أوروبا، فقد شهدت تراجعًا غير مسبوق، حيث بلغ معدل الخصوبة 1.62 طفل لكل امرأة، وهو الأدنى منذ الحرب العالمية الأولى.
وتشير الدراسات إلى أن انخفاض الرغبة في الإنجاب بات واضحًا بين النساء في الفئة العمرية من 30 إلى 34 عامًا، رغم استقرار عدد النساء في سن الإنجاب. ويرتبط هذا التراجع بـارتفاع تكاليف المعيشة، وضغوط الحياة العصرية، وتغير القيم الاجتماعية.
تحذيرات أوروبية من مستقبل مقلق
حذرت المفوضية الأوروبية من أن استمرار هذا الاتجاه يهدد النمو الاقتصادي، وأنظمة التقاعد والرعاية الصحية، ما لم تُتخذ إجراءات عاجلة لدعم الأسر الشابة وتحفيز الإنجاب.
ويرى خبراء الديموغرافيا أن أوروبا تقف اليوم أمام منعطف تاريخي خطير، إذ باتت القارة العجوز مهددة بأن تتحول حرفيًا إلى قارة بلا أطفال إذا لم تُغيَّر السياسات الاجتماعية والاقتصادية جذريًا.
