معرض الأقصر للكتاب يحتفي بمشروع الحجاجي في قراءة الهوية الثقافية العربية

معرض الأقصر للكتاب يحتفي بمشروع الحجاجي في قراءة الهوية الثقافية العربية

شهد معرض الأقصر الرابع للكتاب الذي تنظمه الهيئة المصرية العامة للكتاب ندوة فكرية وثقافية متميزة على منصة بيت الشعر بالأقصر، ضمن محور جسور الفكر والثقافة، بعنوان «سيرة ومسيرة أحمد شمس الدين الحجاجي مفكرًا وناقدًا»، تناولت شخصية المعرض لهذا العام.

الفاعلية

شارك في الندوة كل من الدكتور سامي سليمان أستاذ النقد والأدب العربي الحديث، والدكتور عادل ضرغام أستاذ الأدب والنقد، وأدار اللقاء الشاعر حسين القباحي مدير بيت الشعر بالأقصر.

بدأ القباحي حديثه مرحبًا بضيوف الندوة، معبرًا عن سعادته بالاحتفاء بمبدع أثْرى الحياة الثقافية المصرية والعربية، لا سيما في مجال الأدب الشعبي، مؤكّدًا أن الحجاجي ترك بصمات خالدة في دراسة التراث والمسرح والسير والملاحم والأسطورة، حتى غدا أحد أهم المراجع في هذا الحقل المعرفي الثرّ.

وطاف القباحي بذكريات الطفولة والنشأة للحجاجي، الذي وُلد في بيتٍ يطل على مسجد أبي الحجاج الأقصرى، مستعرضًا ملامح البيئة الأقصرية التي شكّلت وجدانه، بما تحمله من تراكم حضاري وروحي وإنساني فريد.

وعبّر الدكتور سامي سليمان عن امتنانه للحديث عن أستاذه ومعلمه، واصفًا إياه بـ«القيمة والقامة» و«المعلم والإنسان». وتناول في مداخلته الجانب الفكري والمنهجي في مشروع الحجاجي النقدي، مؤكدًا أنه انطلق من رؤية فلسفية وإنسانية ترى أن الفن ضرورة وجودية، وأن الإبداع هو تجسيد لحاجة الإنسان إلى الحرية والمعنى.

وأوضح سليمان أن الحجاجي في كتابه «مولد البطل في السيرة الشعبية» درس لحظة ميلاد البطل بوصفها نقطة فاصلة بين مرحلتين؛ قبل الميلاد وبعده، باعتبارها لحظة التحول التي تعيد تشكيل العالم حول البطل والجماعة التي ينتمي إليها.

وأشار إلى أن مشروع الحجاجي كان قائمًا على استكشاف الهوية الثقافية العربية من خلال المسرح والأدب الشعبي، مستندًا إلى فهم عميق للتراث بوصفه مكوِّنًا حيًا للوجدان الجمعي. وقد ربط في دراساته بين الأسطورة والواقع، مستعينًا بالمناهج الأنثروبولوجية لفهم الوظيفة الاجتماعية للنص الأدبي.

وتوقف سليمان أمام كتابه المرجعي «الأسطورة في المسرح المصري المعاصر»، الذي يُعد من أهم الدراسات المؤسسة في نقد المسرح العربي؛ حيث ربط فيه بين الأداء المسرحي ومصادره الأسطورية، محللًا كيف عبّر المسرح عن قيم الحرية والعدالة والحب من خلال الأسطورة.

واستشهد بتجارب توفيق الحكيم التي جسّدت الصراع الإنساني مع الزمن، مؤكدًا أن الحجاجي أعاد عبر هذا التحليل بلورة سؤال الهوية والوجود في الإبداع العربي الحديث.

وأضاف سليمان أن الحجاجي لم يكن ناقدًا يقرأ النصوص فحسب، بل كان مفكرًا يسائل الوجود من خلالها، معتبرًا أن الأسطورة هي مرآة تساؤلات الإنسان الكبرى حول المنشأ والمصير والمعنى، وهو ما تجلى في دراساته لأعمال الطيب صالح ويحيى الطاهر عبدالله، حيث كشف عبرهما عن الحضور العميق للأسطورة في بنية الرواية العربية الحديثة، أما الدكتور عادل ضرغام فقد تناول الحجاجي من زاوية إنسانية ومعرفية معًا، مشيرًا إلى زهده وورعه وعلاقته الودودة بطلابه، مؤكّدًا أن قراءة أعماله تكشف في كل مرة عن منظور جديد وفكر متجدد.

وأوضح أن مشروع الحجاجي النقدي تميّز باتساعه وتعدده، إذ شمل الأسطورة والمسرح والرواية والتصوف، وارتكز على منهجين أساسيين: التحليل الوظيفي للنصوص، والدوائر المعرفية المتداخلة، وبيّن ضرغام أن الحجاجي كان باحثًا جادًا، لا يختار إلا الموضوعات الصعبة، ساعيًا دائمًا إلى الكشف عن الجذور الشعبية للفنون الأدبية، مؤمنًا بأن الأدب الرسمي والشعبي ليسا عالمين منفصلين، بل دوائر متداخلة تتفاعل في بنية الثقافة العربية.

وأضاف أن منهجه في التحليل يقوم على المقارنة بين المصادر والنصوص، ساعيًا إلى نقل المعرفة وتبسيطها للقارئ. ففي دراسته لأسطورة إيزيس عند توفيق الحكيم، قدّم رؤية مختلفة أبرزت ما غاب عن الكاتب من دلالات فلسفية وإنسانية، معتبرًا أن الأسطورة ليست معرفة جامدة، بل كائن حيّ يتجدد في كل زمان.

ولفت ضرغام إلى أن الحجاجي كان يمتلك قدرة فريدة على إعادة التأويل واكتشاف المعاني الكامنة خلف النصوص، مؤمنًا بأن السؤال هو مفتاح المعرفة. فكل بحث لديه يبدأ بتساؤل فلسفي يسعى إلى إجابة تكشف أبعادًا جديدة من المعنى، وقد تجلى هذا بوضوح في دراسته لرواية «عرس الزين»، حيث جعل من التأمل والتساؤل مدخلًا لفهم العلاقة بين الإنسان والأسطورة والمجتمع، مؤكدًا أن الأسطورة تتكرر بأشكال جديدة في كل تجربة إنسانية.

وأشار ضرغام إلى أن الحجاجي في كتابه «مولد البطل في السيرة الشعبية» بلغ ذروة نضجه الفكري، حين صاغ مفهوم الوظيفة باعتباره جوهر الحدث الشعبي، فالبطل، والمعين، والمنقذ، جميعهم رموز تتكرر لتعبّر عن حاجة الجماعة إلى الخلاص والمعنى.

كما اعتبر كتابه «الأسطورة في الأدب العربي» من أهم إنجازاته النقدية، إذ درس فيه فكرة الخلق الفني من منظور أسطوري، متتبعًا صورة الشاعر الذي يُلهمه «الشيطان» في المخيلة العربية، وكيف تحولت هذه الفكرة إلى رمز فلسفي للقدر والإلهام.

واختتم ضرغام حديثه بالتأكيد على أن مشروع الحجاجي النقدي يمثل منجزًا معرفيًا متكاملًا يقوم على الفهم والتحليل والتأويل، وأنه واحد من أبرز النقاد الذين استطاعوا أن يزاوجوا بين العلم والمنهج، والروح الفنية والإنسانية.

فهو ناقد لا يكتفي بجمع المصادر أو تحليل النصوص، بل يقرأها بوعي فلسفي يبحث عن الجوهر العميق للثقافة، محاولًا عبرها الإجابة على السؤال الأبدي: من نحن؟ وما هي هويتنا؟

إن تجربة أحمد شمس الدين الحجاجي لا يمكن اختزالها في حدود تخصص أكاديمي، لأنها تمثل رؤية فكرية شاملة للإنسان والوجود، تستلهم التراث لتضيء الحاضر، وتعيد تعريف العلاقة بين الأسطورة والفن، والإنسان والحياة.

وجاءت الندوة احتفاءً بواحد من رموز الفكر والنقد في مصر والعالم العربي، الذي جعل من الأقصر منطلقًا لرؤية إنسانية عميقة، تؤكد أن الثقافة هي الجسر الأجمل بين الماضي والحاضر، بين الذاكرة والهوية، وبين الإنسان وذاته.

مواضيع متعلقة

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *