لم تعد التكنولوجيا مجرد وسيلة لتسهيل الحياة أو تسريع إنجاز المهام، بل أصبحت محورًا رئيسيًا في تفاصيل يومنا منذ لحظة الاستيقاظ وحتى النوم. الهواتف لا تفارق أيدينا، والعمل بات مرتبطًا بالشاشات، والتواصل الإنساني انتقل إلى مساحة رقمية باردة. ومع هذا الارتباط المفرط، بدأت تظهر أمراض لم تكن موجودة من قبل، أمراض تكنولوجية صامتة تُنهك الجسد وتستنزف الذهن.
وفقًا لتقرير نشره موقع Aleteia، فإن الاستخدام المفرط للأجهزة الذكية أدى إلى ظهور مجموعة من الاضطرابات الصحية التي تتراوح بين الجسدية والنفسية. ما كان يُعد وسيلة للراحة أصبح مصدرًا للضغط والتعب، وأصبحت الشاشات تُشكل عبئًا حقيقيًا على الصحة العامة.
إجهاد العين الرقمي
الجلوس الطويل أمام الشاشات يرهق عضلات العين ويؤثر على تركيزها. الإضاءة الزرقاء المنبعثة من الأجهزة تسبب جفافًا وتشوشًا في الرؤية، ومع الوقت قد تؤدي إلى ضعف في النظر وصداع مزمن.
آلام المفاصل واليدين
الاستخدام المتكرر للوحة المفاتيح أو الهاتف يؤدي إلى التهاب الأوتار في اليد والمعصم. هذه الحالة، التي يطلق عليها البعض “إصابة الألعاب”، تظهر نتيجة تكرار نفس الحركة لساعات طويلة دون راحة.
التهابات الجلد الناتجة عن الألعاب
الألعاب الإلكترونية ليست بريئة كما نظن. الضغط المتكرر على وحدات التحكم قد يسبب التهابات في راحة اليد أو بثورًا صغيرة مؤلمة. وهي مشكلة شائعة لدى من يمارسون اللعب لساعات يوميًا.
فقدان السمع التدريجي
سماعات الأذن رفيق يومي لمعظم الشباب، لكن الصوت العالي الذي يُستخدم فيها يسبب تلفًا دائمًا في خلايا السمع. ومع مرور الوقت، يبدأ الشخص بفقدان القدرة على تمييز الأصوات الدقيقة.
الخوف من فوات الحدث (FOMO)
الشعور المستمر بأنك خارج دائرة ما يحدث على الإنترنت يسبب توترًا نفسيًا ملحوظًا. يتفقد البعض هواتفهم كل دقائق خشية أن يفوتهم منشور أو خبر، مما يولّد قلقًا مزمنًا وتشتتًا في الانتباه.
الاهتزاز الوهمي
كثيرون يشعرون باهتزاز هواتفهم حتى وهي ساكنة. هذا الإحساس الوهمي دليل على الإدمان الذهني للأجهزة، إذ يبدأ الدماغ في اختلاق إشارات حسية بسبب التعلق المفرط بالهاتف.
رهاب الانفصال عن الهاتف
يُعرف هذا الخوف باسم “نوموفوبيا”، وهو اضطراب يجعل صاحبه يشعر بالذعر عند انقطاع الاتصال بالإنترنت أو نسيان الهاتف. في الحالات الشديدة، قد يتطور الأمر إلى نوبات قلق حقيقية.
الأرق الليلي الرقمي
الإضاءة الصادرة من الأجهزة تعيق إنتاج هرمون النوم “الميلاتونين”، ما يجعل النوم المتأخر أمام الهاتف عادة خطيرة. حتى تصفح المواقع لبضع دقائق قبل النوم قد يسبب اضطرابًا في الساعة البيولوجية.
الهوس الصحي عبر الإنترنت
يبحث البعض بشكل مفرط عن أعراض الأمراض على الإنترنت، لدرجة الاعتقاد بالإصابة بمرض خطير دون دليل طبي. هذا الهوس، المعروف بـ”السايبركوندريا”، يخلق خوفًا مرضيًا من كل عرض بسيط.
الإدمان الإلكتروني
لم يعد الإدمان مقتصرًا على المواد الكيميائية، فالشبكة نفسها باتت إدمانًا. الألعاب، ومواقع التواصل، وحتى الأخبار، أصبحت تستهلك ساعات طويلة من حياة الناس، مسببة عزلة اجتماعية وتراجعًا في التركيز والإنتاجية.
تُظهر هذه الحالات أن التكنولوجيا، رغم منافعها، تحمل وجهًا آخر خفيًا يهدد توازننا الجسدي والنفسي. ما نحتاجه اليوم ليس الانفصال عنها، بل إعادة ضبط علاقتنا بها لتعود وسيلة للراحة لا سببًا للمرض.
