
جريمة بشعة نفذها وقام بها مراهق لم يتخطى الـ13 من عمره في واقعة مأساوية هزّت محافظة الإسماعيلية، بعدما أقدم على قتل زميله في المدرسة بعد أن استدرجه إلى شقته مستغلا عدم وجود أحد من أسرته وقام بقتل زميله ثم أحضر منشارا كهربائيا خاصا بوالده الذى يعمل نجارا وقام بتقطيع جثمان زميله إلى أشلاء متأثرًا بمشاهد عنف شاهدها فى أحد المسلسلات .مشهد واحد، خيال منفلت، وفراغ أسري – هكذا اجتمعت خيوط المأساة التى أفرز مجرما مراهقا قطع جسد زميله إلى أشلاء.
يشرح الدكتور عادل سلطان، استشاري الطب النفسي قصر العينى ، تحليلا نفسيا لنفسية مرتكب الجريمة، مؤكدا فى البداية أن المراهقة هي أكثر المراحل العمرية اضطرابًا في حياة الإنسان. ففيها يتصارع الجانب العاطفي مع المنطقي، ويبحث المراهق عن هويته واستقلاله، لكنه يفتقر إلى النضج الكافي لاتخاذ قرارات متزنة.ويقول إن الجريمة التي شهدتها الإسماعيلية تعكس هذا التناقض الحاد داخل عقول المراهقين: “الاندفاع لا يعني الجنون، بل هو نتيجة عجز الدماغ عن ضبط الانفعالات في لحظة ضغط نفسي أو عاطفي.”وعندما تغيب الرقابة الأسرية، ويجد المراهق نفسه في عالم رقمي مفتوح يعج بالعنف، و القوة والانتقام بدلًا من الحوار.
البيت المضطرب… الشرارة الأولى للخلل النفسي
يضيف الدكتور سلطان أن انقسام الأسرة أو ضعف التواصل بين الوالدين من أكثر العوامل التي تمهد الطريق للاضطراب السلوكي عند الأبناء. فحين يفقد الطفل شعوره بالاستقرار، تبدأ شخصيته بالتشقق. خاصة المراهق الذى يحتاج إلى أن يشعر بأنه مسموع ومفهوم، وعندما لا يجد من يحتويه، يبدأ في الانسحاب إلى عالمه الخاص، ومع الوقت، يتراجع الإحساس بالواقع، وتصبح ردود الفعل تجاه الأحداث أكثر تطرفًا وعدوانية.
كيف يتشكل العنف داخليًا؟
يؤكد د.عادل أن الطفل لا يولد عنيفًا، وإن كل مراهق ارتكب فعلًا صادمًا كان في مرحلة ما طفلًا مضطربا تعرض لجرح نفسى ما، وفي ظل غياب الدعم النفسي، يتحول هذا الجرح إلى غضب مكتوم يتفجر في صورة عنف، قد يكون لفظيًا في البداية، ثم يتحول إلى سلوك جسدي مؤذٍ.ويشير إلى أن البيئة الاجتماعية الصاخبة، والمحتوى العنيف يعززان هذا الميل نحو التطرف في السلوك.
ما وراء العنف: اضطرابات
يرى الدكتور عادل أن العديد من المراهقين الذين ينزلقون نحو السلوك الإجرامي يعانون اضطرابات خفية مثل صعوبة التحكم في الغضب، أو ضعف القدرة على إدراك مشاعر الآخرين، أو انعدام الشعور بالذنب.البعض منهم مرّ بتجارب قاسية في الطفولة كالعنف الأسري أو الإهمال، كما أن التأثير المتزايدللمقاطع الإلكترونية الدموية يزيد من احتمالية ارتكاب أفعال متهورة دون وعي بالعواقب
تفسير واقعة الإسماعيلية من منظور نفسي
يرى الدكتور سلطان أن تحليل السلوك الظاهر للجاني في واقعة الإسماعيلية يسمح بطرح عدة احتمالات دون الجزم بأي منها، مثل ضعف شديد في السيطرة على الانفعالات، واضطراب النشأة وعدم وضع الحدود الأخلاقية له ، كما يمكن أن يكون نوع من التأثر المباشر بالمشاهد الدموية التي اعتاد متابعتها على الشاشات، فصار يخلط بين الواقع والتمثيل أو يعانى من معاناة نفسية أعمق تتعلق بالإحساس بالدونية أو الرغبة في الشعور بالقوة.,
لماذا تتحول خلافات بسيطة إلى عنف قاتل؟
يوضح الدكتور سلطان أن ما يبدو تافهًا في نظر البالغين قد يكون بالنسبة للمراهق مشكلة كبيرة، في هذه السن، تكون المشاعر متضخمة وردود الأفعال مبالغ فيها، وحين يكون المراهق مضغوطًا فإن غضبًا مكبوتًا يتحول إلى فعل عنيف لا يتناسب مع حجم الموقف.
هدوء المجرم
كثيرًا ما يُفاجأ المجتمع بأن مرتكب الجريمة كان “هادئًا وخجولًا” في حياته اليومية مثلما تم وصف مرتكب الواقعة، يقول الدكتور سلطان إن هذا الهدوء المفرط قد يكون علامة على الكبت العاطفي وليس الاتزان.، لكنها لا تختفي فعليًا — بل تتراكم حتى تنفجر.
الإشارات التي تسبق الكارثة
كثيرًا من الجرائم كان يمكن تجنبها لو انتبه الأهل إلى التغيرات السلوكية المبكرة في أبنائهم.ومن أبرز هذه الإشارات، العزلة الشديدة والمفاجئة، نوبات الغضب المتكررة، اضطرابات النوم، الحديث المتكرر عن الموت، أو القسوة في التعامل مع الآخرين، هذه علامات تستدعي الملاحظة والتدخل المبكر
كيف تغيّر الشاشات طريقة تفكير المراهقين؟
توضح الدراسات أن الدماغ في مرحلة المراهقة يتفاعل بقوة مع الصور والمشاهد المثيرة، خصوصًا تلك التي تتضمن عنفًا ويفقد المخ استجابته الطبيعية للخوف أو الاشمئزاز، ويبدأ المراهق في تقليد ما يراه بوصفه تجربة فعّالة أثارت لديه الرغبة في إعادة التنفيذ، بحثًا عن نفس الإحساس بالإثارة والسيطرة.ويرى استشارى النفسية أن المراهق الذي يشعر بالضعف أو التهميش يلجأ للعنف ليُثبت لنفسه أنه قادر.