في إطار فعاليات الشهر العالمي للتوعية بسرطان الثدي، نظّمت مستشفيات قصر العيني بجامعة القاهرة يومًا توعويًا موسعًا بعنوان “قصر العيني في قلب أكتوبر الوردي… معًا ضد سرطان الثدي (Pink Day)”، تحت رعاية الأستاذ الدكتور محمد سامي عبد الصادق، رئيس جامعة القاهرة، وبحضور الدكتور حسام صلاح مراد، عميد كلية الطب ورئيس مجلس إدارة المستشفيات الجامعية، الدكتور حسام حسني، المدير التنفيذي لمستشفيات جامعة القاهرة، الدكتور هاني العسلي، نائب المدير التنفيذي للشؤون المالية والإدارية، إلى جانب نخبة من قيادات القطاع الصحي وأعضاء هيئة التدريس والطلاب.
جاءت الفعالية في إطار دعم المبادرات الرئاسية الخاصة بصحة المرأة المصرية، وتأكيدًا على دور قصر العيني في نشر الوعي الصحي والتشجيع على الفحص المبكر بوصفه خط الدفاع الأول ضد المرض.
وفي هذا السياق أجرينا الحوار التالي مع الدكتور حسام صلاح الذي تحدث عن جهود قصر العيني في دعم المبادرات الوطنية، وعن التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي في تطوير الخدمات الطبية والتعليمية داخل الكلية والمستشفيات الجامعية.
س: دكتور حسام، كيف تقيمون دور قصر العيني في دعم مبادرة “صحة المرأة” ضمن فعاليات أكتوبر الوردي؟
قصر العيني كان وما زال نموذجًا يُحتذى به في دعم المبادرات الرئاسية، وفي مقدمتها مبادرة “صحة المرأة المصرية”. نحن نؤمن أن الوعي والمعرفة هما خط الدفاع الأول ضد المرض، ولذلك جاء هذا اليوم لتذكير السيدات بأهمية الفحص الشهري والكشف المبكر عن سرطان الثدي. هدفنا أن نوقظ درجة كافية من الوعي لدى المرأة المصرية لتتمكن من الوقاية أو التدخل المبكر إذا استدعى الأمر ذلك.
قصر العيني وقف على مدار الأعوام الماضية ركيزة أساسية للمبادرات الصحية الكبرى، واليوم نستكمل المسيرة بخدمات مطوّرة تضمن تقديم أفضل رعاية ممكنة لسيدات مصر. كما نحيي من هذا اليوم كل المتعافيات، فهنّ رسالة أمل وقوة لكل امرأة مصرية، وللفرق الطبية التي تقف خلف نجاحات المنظومة.
س: ما هي أبرز ملامح مركز التشخيص المبكر وعلاج الأورام في قصر العيني؟
المركز يُعد نموذجًا متكاملًا للتعاون بين عدة أقسام طبية تعمل بتناغم كامل؛ منها أقسام الأشعة، والباثولوجي الإكلينيكي، والباثولوجيا التشريحية، والجراحة، وعلاج الأورام، والأشعة التشخيصية. هذه الأقسام جميعها تشكّل منظومة واحدة تهدف إلى تقليص الفترة الزمنية التي تستغرقها المريضة من لحظة دخولها وحتى تأكيد التشخيص وبدء العلاج. هذا التكامل يعكس فلسفة قصر العيني في تقديم الخدمة الطبية الشاملة القائمة على السرعة والدقة والرحمة.

س: هل يمتد الكشف المبكر إلى العيادات العامة؟
بالفعل، بدأنا منذ سنوات مبادرات داخل عيادات النساء والتوليد للكشف المبكر حتى للسيدات غير المشتكيات. أي سيدة تزور العيادة لأي سبب يُجرى لها فحص الثدي بشكل روتيني، وإذا اكتشفنا أي علامات مريبة، تُحال فورًا إلى وحدة الكشف المبكر في نفس اليوم لاستكمال الفحوصات اللازمة. هذا النظام جعل الاكتشاف المبكر عملية سهلة وسريعة، ورفع نسب التعافي بدرجة كبيرة.
س: كيف تقيّمون أثر المبادرات الرئاسية على الخدمة الصحية في مصر؟
المبادرات الرئاسية مثل “100 مليون صحة” ومبادرة “صحة المرأة” كانت تحولًا حقيقيًا في مسار الرعاية الصحية. بصفتي شاهد عيان منذ سنوات، أرى أننا نسير في اتجاه متصاعد لتحسين صحة المواطن. لا يمكن أن ننسى ما تحقق في القضاء على الالتهاب الكبدي الفيروسي، أو برامج الكشف المبكر عن الأمراض المزمنة كالضغط والسكر، والتي استفاد منها ملايين المصريين. هذه المبادرات رسّخت مفهوم الوقاية كركيزة أساسية في منظومة الصحة العامة.

س: وماذا عن تطوير منظومة العمل داخل المستشفيات الجامعية لدعم هذه المبادرات؟
قمنا بتوسيع ساعات العمل داخل غرف العمليات لتشمل الفترة المسائية، بعد أن كانت تنتهي مبكرًا. اليوم تمتد الجراحات الاختيارية حتى التاسعة والعاشرة مساء، إلى جانب استمرار العمليات الطارئة على مدار 24 ساعة. كما أنشأنا غرفًا مركزية وغرفًا فرعية لمتابعة المرضى، ونراجع باستمرار الموقف لضمان انسيابية الخدمة. هدفنا دائمًا هو دعم المنظومة الصحية بكفاءة أعلى وتقليل فترات الانتظار.
س: ما الرسالة التي توجهونها للسيدات المصريات بشأن الكشف المبكر؟
رسالتي واضحة: نحن مستعدون لخدمتكن في أي وقت. جعلنا عملية الفحص المبكر سهلة ومجانية داخل عيادات النساء، بحيث تستطيع أي سيدة الاطمئنان على نفسها في زيارة واحدة. هناك فريق طبي وتمريضي وإداري متكامل يعمل بروح الفريق لخدمة المرأة المصرية من لحظة دخولها وحتى اكتمال فحوصها، وإذا احتاجت لأي متابعة تُوجّه مباشرة إلى المسار العلاجي دون تأخير.
س: في ظل التطور التكنولوجي، كيف ترون تأثير الذكاء الاصطناعي على الخدمات الصحية؟
الذكاء الاصطناعي أصبح أداة لا غنى عنها في الطب الحديث. خلال زيارة رسمية لي إلى ألمانيا قبل عام ونصف، شاهدت كيف تُستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي في وحدات الكشف المبكر لتحديد الأورام بدقة فائقة. هذه التجربة أكدت لي أن المستقبل يعتمد على توظيف الذكاء الاصطناعي في التشخيص والعلاج والتعليم الطبي. دوره يتمثل في تسريع الخدمات وتحسين الدقة وتقليل احتمالات الخطأ.
لكن الأهم أن نكون مطورين لهذه التقنيات لا مجرد مستخدمين. إذا بقينا في موقع المستهلك سنتأخر عن الركب، أما إذا شاركنا في الابتكار فسنتقدم خطوات هائلة نحو مستقبل صحي أكثر تطورًا.
س: وهل تتماشى هذه الرؤية مع استراتيجية جامعة القاهرة؟
بالتأكيد. أطلق رئيس الجامعة الأستاذ الدكتور محمد سامي عبد الصادق الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي، والتي انبثق عنها وحدات متخصصة داخل الكليات، من بينها وحدة في كلية طب قصر العيني. نحن نخدم أكثر من مليوني مريض سنويًا، ونُجري ما يقارب مئة ألف جراحة، وبالتالي فإن تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي سيسهم في تعزيز جودة الخدمات وتسريعها، ويدعم الاقتصاد الصحي في الدولة المصرية.
س: كيف تسير خطوات التحول الرقمي داخل الكلية والمستشفيات؟
بدأنا منذ عام 2023 عملية رقمنة شاملة لكل القطاعات داخل كلية الطب ومستشفيات قصر العيني. تم رقمنة نظام البكالوريوس بالكامل، ورفع كفاءة الصفحات الإلكترونية، وتحويل الكنترولات والمنظومات الصحية إلى أنظمة رقمية حديثة. ما زال أمامنا عمل للوصول إلى نسبة 100%، لكن ما تحقق حتى الآن مشجع جدًا. الرقمنة تحتاج إلى بنية تحتية قوية واستثمارات كبيرة، لكنها استثمار مستقبلي يحقق عائدًا ملموسًا في جودة الخدمة والتعليم الطبي.
س: كلمة أخيرة لقراءنا وللمجتمع المصري؟
أقول إن الوعي هو أساس الوقاية، والكشف المبكر يمكن أن ينقذ حياة. علينا جميعًا أن نثق في قدرتنا على مواجهة المرض بالعلم والمعرفة والأمل. كما أوجّه التحية إلى جميع أعضاء الفرق الطبية والتمريضية والإدارية في قصر العيني الذين يعملون بتفانٍ لخدمة المريض المصري ليلًا ونهارًا. نحيي المتعافيات من سرطان الثدي اللواتي يمثلن رمزًا للأمل والقوة والإصرار، فهن خير دليل على أن الوعي المبكر ينقذ الأرواح، وأن قصر العيني سيظل دائمًا منارة للطب والرحمة والإنسانية في مصر والعالم العربي.
يؤكد حوار الدكتور حسام صلاح أن قصر العيني لم يعد مجرد مستشفى جامعي، بل مؤسسة وطنية تجمع بين الريادة الطبية والإنسانية والعلمية. فبين الجهود المتواصلة لرفع الوعي الصحي وتمكين المرأة المصرية من الفحص المبكر، والتحول الرقمي الذي يعيد رسم ملامح التعليم الطبي، والاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي التي تتبناها جامعة القاهرة، تتضح ملامح منظومة صحية جديدة قوامها الابتكار والتكامل والمسؤولية المجتمعية.
لقد نجح قصر العيني في أن يكون نموذجًا يحتذى في دعم المبادرات الرئاسية، ومثالًا حيًا على أن “في الوعي إنقاذ للحياة”، وأن الطب رسالة تتجاوز العلاج إلى صناعة الأمل.
